تأليف الإمام الفقيه المحقق محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ (المفيد) المتوفى ٤١٣هـ
المؤلف في سطور
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير، المعروف بابن المعلم لأن أباه كان معلماً بواسط)
كما واشتهر بالمفيد، ينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان (۱) .
كان من أجلاء مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رياسة
الطائفة الإمامية في وقته إليه .
مولده
ولد رحمه الله في الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام من سنة ٣٣٨هـ، في قرية تعرف بسويقة ابن البصري من عكبراء، تبعد عن بغداد عشرة فراسخ إلى ناحية الدجيل (٢) .
كان المعي الخاطر ، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، نحيفاً، أسمر اللون، انحدر مع أبيه من مسقط رأسه إلى بغداد، وبدأ بقراءة العلم على أبي عبد الله
المعروف بجعل بدرب رياح، ثم قرأ من بعده على أبي ياسر غلام أبي الحبيش بباب خراسان، ولما كان أبو ياسر أعجز من البحث معه والخروج من عهدته
أشار إليه بالمضي إلى علي بن عيسى الرماني الذي هو من أعاظم علماء الكلام في وقته، فقال المفيد: إني لا أعرفه ولا أجد أحداً يدلني عليه، فأرسل ابن ياسر معه بعض تلامذته، فلما مضى ودخل عليه ورأى مجلسه مشحوناً من الفضلاء، جلس في صف النعال، وبقي يتدرج للقرب إليه كلما خلا المجلس شيئاً فشيئاً لاستفادة بعض المسائل من صاحب المجلس، فاتفق أن رجلاً من أهل البصرة دخل وسأل الرماني، فقال : ما تقول في حديث الغدير وقصة الغار؟ فقال الرماني : خبر الغار دراية وخبر الغدير رواية، والرواية لا تعارض الدراية، ولما لم يكن للرجل البصري قوة المعارضة سكت وخرج .
فقال المفيد : إني لم أجد صبراً عن السكوت عن ذلك، فقلت : أيها الشيخ عندي سؤال، فقال قل قلت : وما تقول فيمن خرج على الإمام العادل وحاربه ؟ فقال كافر ، ثم استدرك فقال فاسق، فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؟ فقال : إمام عادل فقلت : ما تقول في حرب طلحة والزبير له في يوم الجمل ؟ قال : تابا ، قلت : أما خبر الجمل فدراية وأما خبر التوبة فرواية والرواية لا تعارض الدراية .
فقال لي : أو كنت حاضراً وقد سألني البصري ؟ فقلت نعم، قال : رواية برواية ودراية بدراية وسؤالك متجه وارد ثم سأله : من أنت؟ وعند من تقرأ من علماء هذه البلاد؟ فقلت له : على الشيخ أبي عبد الله الجعلي، ثم قال لي مكانك ودخل منزله، وبعد لحظة خرج وبيده رقعة ممهورة فدفعها إلي وقال : أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله شيخك، فأخذت الرقعة من يده ومضيت إلى مجلس شيخي فدفعت إليه الرقعة، ففتحها وبقي مشغولاً بقراءتها وهو يضحك، فلما فرغ من قراءتها قال : إن جميع ما جرى بينك وبينه قد كتب إلي به وأوصاني بك ولقبك بالمفيد .
وقال ابن شهر اشوب : إن إمام العصر عجل الله فرجه قد لقبه بالمفيد وبالأخ السديد حين كتب إليه كتابه الأول، وخاطبه بالأخ السديد والمولى الرشيد : أيها المولى المخلص في ودنا الناصر لنا ، إلى آخر الكتاب … ويقول في كتابه الثاني : من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله، سلام عليك أيها العبد الصالح الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق … إلى آخر الكتاب .
فمن هذين الكتابين الموجهين من الناحية المقدسة إلى هذا الشخص العظيم تعرف منزلته، ومن يجعله إمام العصر أخاً له فهو فوق مستوى البشر بعد الأئمة المعصومين ، وإعطاء الإمام له هذا الوسام يشعر بالعظمة والتفوق على غيره ممن عاصر، وإن صاحب الناحية المقدسة لم يخاطب أحداً إلا باسمه
من دون إطراء والإطراء كهذا هو أمر إلهي ، لأنه لا ينطق عن الهوى .
وقال ابن حجر في لسان الميزان ج ٥ ، ص ٣٦٨ : كان كثير التقشف والتخشع والانكباب على العلم، تخرج به جماعة، وبرع في المقالة الإمامية حتى كان يقال : له على كل إمام منة : وإن عضد الدولة كان يزوره في داره ويعوده إذا مرض، وأضاف : إن المفيد ما كان ينام الليل إلا هجعة ثم يقوم
يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن .
وقال ابن النديم في الفهرست ص ۲۷۹ شاهدته وجالسته فرأيته شديد الفطنة حاضر الخاطر بارعاً في العلوم.
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه ج ۳، ص۲۳۱ : صنف كتباً كثيرة، وقد أورد سطوراً في ذمه وقدحه وذلك تعصباً منه، انظر وتأمل . وقد ترجمه أكثر المؤرخين في كتبهم .
مؤلفاته وآثاره
إن مؤلفات شيخنا المقدس تبلغ مائتين في الفقه والحديث والكلام، كما نص عليه ابن العماد الحنبلي في الشذرات، واليافعي في مرآة الجنان، كلها غرر ومآثر نيرة، وقد ذكر تمام مؤلفاته النجاشي في فهرسته ط۱، ص ۲۸۳، من أراد التفصيل يراجعه . ومن أهم مؤلفاته : كتاب المقنعة، والأمالي، والإرشاد وهو هذا الكتاب الذي بين يديك، وقد تضمن تواريخ وأحوال الأئمة الاثني عشر ومعجزاتهم وولاداتهم ووفياتهم ومدة أعمارهم وطرائف من أخبارهم، وقد اعتمد عليه كبار علماء الإمامية واعتبروه من أهم المصادر في موضوعه، وأعاروه عناية فائقة وأهمية كبرى نظراً لمكانة مؤلفه، وقد طبع مراراً في إيران والعراق، وأخيراً تصدت هذه المؤسسة الثقافية لإعادة طبعه وإخراجه بما يليق وشأن الكتاب والله الموفق والمسدد .
وقد ترجم الكتاب إلى اللغة الفارسية المولى محمد مسيح الكاشاني وطبع في إيران سنة ١٣٠٣ هـ باسم الشاه سليمان الصفوي، كما ذكره الإمام الشيخ
آغا بزرك المنزوي الطهراني في ذريعته ج ۳، ص ٤٤٢ .
وفاته:
توفي في ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان سنة ٤١٣ هـ عن عمر ناهض ٧٦ عاماً، وصلى عليه تلميذه السيد المرتضى علم الهدى بميدان الأشنان، ودفن بداره سنين، ثم نقل إلى مقابر قريش ودفن مما يلي الرجلين الإمامين الجواد والكاظم في الرواق بقرب قبر شیخه جعفر بن قولويه وحضر تشييع جنازته ثمانون ألفاً، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً عظيماً، وبكاء المخالف والموالف والله در القائل في رثائه :
لا صوت الناعي بفقدك إنه
يوم على آل النبي عظيم
وقام مقامه خلفه محمد بن محمد كما ذكره الصفدي في تاريخ ابن خلكان . هذه صورة وجيزة عن حياة شيخنا المترجم (قده)، ومن أراد التفصيل فليراجع كتاب روضات الجنان للخونساري ط ١ ، ص ٢٦٣ ، وط٢ ، ص ٥٣٦ ، وكتاب الكنى والألقاب للقمي ج ۳، ص ١٦٤ ، وبقية كتب التراجم، والله من وراء القصد .
حسين الأعلمي
بيروت في ١٥ رمضان ۱۳۹۹هـ
الموافق ١٠/ ٨/ ۱۹۷۹م
المراجعات
لايوجد مراجعات بعد